ملتقى "صهيل الحروف"
للمشاركة في المسابقة
قصة قصيرة
اللعب مع الكبار
أدهشتها هذه البقع المترامية على جسدها الفاتن ، تلك الألبسة البالية التي ترتديها كشفت حجم معاناتها والفاقة التي تعيش ، شعرها المتقصف بجدلة واحدة متهالك الخصل يدعو إلى التساؤل ، وتلك العين التي أسدلت جفنها تدعو للبكاء .
أشفقت عليها واحتضنتها بين طيات جسدها الغض، وشكرت والدها الذي أتى بها إليها وعانقته بنظراتها البريئة وببسمة شكر .
_ طار عقلي بك ، أحببتك من أول وهلة ، ستكونين ضيفتي المفضلة بل أختي الكبيرة .
رقصت معها حاولت اضفاء جو حالم على كيان ضيفتها الجديدة ، أهدتها كل ألعابها وأشبعتها قبل .
استطاعت رفع معنوياتها وتقليم تلك النظرة المنكسرة على محياها الذي أخذ يودع التبلد .
_ ما اسمك عزيزتي .. من تكونين .. ما هي قصتك .. من أهلك .. من أين أنت ...؟!
كل تلك التساؤلات لم تلق أي صدى ، كانت الكلمات حبيسة المقل وخلف هذه الرموش المرتعشة تسكن كل الحكايا .
_ لا عليك صديقتي ، لا تتكلمي ، تعالي معي نلعب لعبة الكبار ، أنا أتكلم وأنت تنصطين ، أنا أغني وأنت ترمقين ، أنا أصنعك وأنت تختالين .
راقت لها تلك اللعبة وبرفة عين عرتها من كل ملابسها الرثة المحاكة منذ عهود الطهر ، ثوب العفة الذي كان يكسي جسدها البنورامي رمته بسلة القمامة، وحجابها القاتم رمته من النافذة المطلة على الاغتراب، وجوربيها الرماديتين حزمت بهما كل الخرق وأودعتهم مدفاة غرفتها التي بدأت تغزل من لهيبهم لونا" مختلفا" من الدفء .
بدأت بنحت جسدها وترميم كل القروح ، بعدما أقنعتها بطرد الخجل، راوغت بعض الشيء لكنها ما لبست أن استسلمت وبدأ على قسماتها لون الفرح .
_ ثقي بي صديقتي ، سوف أجعلك سندريلا وليفنى الأمير .
أخرجت من دولاب الخزانة سروال أختها الكبرى ألبستها إياه، فبدا محشوما" بعض الشيء وبقصتين من مقصها الصغير قزمته ليهرب منه كل الحياء ، كانت حمالة الصدر تنتظر دورها لكنها أوفت بالغرض عندما أفرغت مقدمتها لتكون أكثر اغراء، وثوب أختها ذو الأكمام الطويلة قصت نصف أكمامه ليكتمل المشهد، وحاولت الباسه ضيفتها التي تمردت للتو ..
_ أحلم بثوب بلا أكمام وظهره عاري، وصدره شبه فارغ، فوق الركبة طوله ولا بأس أكثر ، أتمنى تلوين خصلات شعري بكل الأصبغة، وأرغب بمكياج صارخ فاقعة ألوانه ولا تنسي رسم كل القلوب على المناطق المغرية من جسدي الغض، وزرع خلخال في رجلي اليسرى وشامة فوق شفتي، وماسة طرف الأنف، وكومة من الخرز الملون على عنقي ومعصمي الأيمن وكذلك الأيسر ...
كانت دهشتها عارمة عندما استطاعت سبر مكنون ضيفتها الجديدة وفك طلاسم أفكارها الحبيسة منذ زمن الكبت .
_ الحمد لله سمعت صوتك وشاهدت الابتسامة المرسومة على شفتيك ، اطمئني سوف أنفذ كل رغباتك ولن أنسى لصق الأظافر الملونة والرموش وسوف أدهشك بتسريحة تذيب عقول كل الشبان بالحي .
عندما أوشكت وضع لمساتها الأخيرة وإنهاء حفلتها التجميلية أطلت والدتها عبر الطاقة الضيقة المرمم فسيفساؤها منذ عهد الانحطاط..
_ ما شاء الله عليك صغيرتي ، العروس التي وجدها والدك في حاوية القمامة غدت أميرة بأناملك السحرية وتعلمت لغة الكلام بفضلك .. أنت بارعة ياطفلتي الغالية .. أخرجي معها إلى الهواء الطلق وتنفسا معا" مزيدا" من الحرية التي حرمت أنا واقراني منها .
تمت بقلمي
المحامي محمد حسن
سوريه . حلب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق