للمسابقة
طائر من أرفود
لما اشتد عضده،هاهو الٱن يقارب الثلاثين سنة،وسيم الملمح،معتدل القامة،شاربه شديد سواد الشعر،نادل بمقهى بديار الغربة....كلما ٱوى إلى فراشه في غرفة مستقلةبسطح البناية ذات الثلاث طوابق، يستحم ويستلقي على سريره القديم الذي يصدر صريرا كمن يتألم من ثقل حميدو،هكذا ألف سكان قريته أن ينادوه منذ صغره تدليلا لاسمه الحقيقي حميد ،اعتاد حميدو قبل الاستسلام للنوم،أن يستعرض ذكرياته و هوعلى زورق مكدس بثلة من المهاجرين غير الشرعيين، وتنقبض أساريره وهو يرى ويسمع صراخهم، قبل غرقهم وابتلاع البحر لهم،وكيف ألقت به الأمواج إلى الشاطئ وهو متمسك بلوح من ألواح الزورق هي ذكريات تطارده وتؤلمه،ثم تعود به الذاكرة إلى أمه وإخوته الذين من أجلهم اقتحم هذه المحن،وغامر ليغير من فقرهم، ويسد حاجياتهم،ويتذكر صديقه عزيز الذي أوصاه خيرا بأهله ،إن هو لم يعد،كما أنه يتخيل نفسه وكأنه يمر بشوارع مدينة أرفود ، ويخترق دروبها التي تبتلعه،فيغمض جفنيه...
كل صباح يستيقظ باكرا ما عدا الأحد فهو يوم عطلة،يتجه إلى عمله قبل الٱخرين،فهذا ما يميزه،وأكسبه ثقة مشغله، كما أن لخفته ووسامته ، ولكنته العربية التي تسم نطقه للغة الاسبانية جاذبية يستعذبها الزبناء...
لاحظ حميدو أن زبونة تمعن النظر إليه كلما جاءها ليعرف طلبها فيلبيه ، تكرر الأمر ،بادلها نفس الابتسامة، طلبت منه أن يلتقيا خارج أوقات العمل، وافق... قبل اللقاءغيرحميدو من ملابسه، صفف شعره ، رش من قنينة العطر الوحيدة التي لم يتبق منها إلا القليل، وحضر في الوقت المعين ،و المكان المحدد...
علم أن اسمها كاميليا،تشعر بالوحدة، كانت أمواج البحر ترسل رذاذا ينعش،ويبلل وجنتيهما،وهي تحكي سالت دموعها،مد يده وأمسك بكفها ليواسيها،فسرت بجسده قشعريرة،
واحمرت وجنتاه....
تواعدا على اللقاء مرة أخرى،لكن كاميليا لم تعد ،حاول حميدو أن يراها بأحد المتاجر القريبة التي تبيع الٱلات المنزلية ،كما أخبرته،لكنه عبثا فعل،مر أسبوع على غيابها،وبدأ الشك في صدق حبها يراوده،لكنه كاد يلتهم المسافات بينهما حين رٱها قادمة،فعدل عن ذلك احتراما لقانون الشغل، ابتسمت له كالعادة بادلها نفس الابتسامة،لكنه لاحظ أنها تلبس السواد،مما أوحى إليه أنها تعيش مرحلة صعبة،أحضر لها فنجان قهوة،فطلبت منه أن يلتقيا،أومأبرأسه موافقا وانصرف.
في نفس المكان وجدها تنتظره ، السكون يهيمن لولا أصوات الموج الهادئة،وصخب النوارس المتمردة على الطبيعة؛التي ماتزال تحلق،رغم تلاشي خيوط الشمس واختفاء حمرتها،ابتسمت له كالعادة ولكن ابتسامتها تخفي حزنا،أخبرته أن أمها ماتت واضطرت للسفر إلى قرطبة،وقد ورثت منها الكثير ، وتحتاجه ليكون لها سندا لبداية مشروع مهم،وافق مبدئيا لكنه طلب مهلة للتفكير،قبلته اثنتين وافترقا،أحس ببرودة ورعشة تغزو جسده.... استطردت كاميليا وقالت:" استعد للسفر معي غدا الأحد"
في غرفته وقف أمام المرٱة،ابتسم واحمرت وجنتاه وأحس بحرارة في أذنيه حين تذكر قبلتي كاميليا،بدأ يناجي أمه،التي لم يراها عشر سنين خلت،ويعدها أنه سيفي بعهده وينتشلهم من مخالب العوز...
في قرطبة ، دخل معها غرفة أمها،بها أثاث تقليدي، استرعت انتباهه صورة مثبتة على الحائط لجندي بشاربه المعقوف وطربوشه ،الأحمر،وقف أمام الصورة مشدوها؛ صاحب الصورة مألوف لديه ،يذكره بشخص يعرفه،لكن من يكون؟ الذاكرة تخونه، سألها من صاحب هذه الصورة؟ انتظر أن تخبره أنه جدها من أمها،لكنها أخبرته أنه أحد الجنود المغاربة الذين حاربوا إلى جانب اسبانيا،وأنه هو من أنقد أمها بعدما شب حريق بالمنزل ومات فيه جدها وجدتها ونجت أم كاميليا بشجاعة منقطعة النظير من الجندي المغربي، فأهداها صورته ،وقد ثبتتها أمي على الجدار اعترافا له بجميله، أزالت كاميليا الصورة ونفضت عنها الغبار العالق بها،فظهرت كتابة خلف الصورة قرأتها بصوت مسموع: الحمداوي محمد الأرفودي....
الحمداوي لحبيب المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق