الأحد، 28 نوفمبر 2021

النص الفائز بالمركز الثاني بمسابقة القصة القصيرة/الموسم الأول بقلم هيثم العوادي


 سيزيفية

    مرت آلاف السنين، وأنا اطوي الأرض بتلك الصخرة فوق التلال، أصعد بها الى قمة الجبل، ثم تهوي متدحرجة الى أسفل الوادي، أبسط ذراعيَّ لها، تارة احملها على كتفي.. وتارة انزلها وادفعها بيدي.. لأصل الى القمة مرة أخرى، أَرْهَقَني الروتين.. إِستَحوَذَ عليَّ الملل..قبل ان يسحبوني إلى عالم الأموات، تذكرتُ خداعي "ثانوتوس" لما طلبتُ منه تجربة الأصفاد والسلاسل.. أحكمت أقفالها وقيّدتُ إله الموت قبل طلوع روحي، نجوتُ من حبائلهِ.. لكني لم انجو من حُكم "زيوس" بالعقوبةِ الأبدية. 

لم أفكر يوماً بأن أكون قدوة للآخرين ، فعلى بُعد امتار من هدفي الروتيني.. شاهدت مَنْ يقلدني بحركاتي وأفعالي، يحملون على أكتافهم شيئاً لم اتأكد منه، أخذت منظاراً كنتُ قد كسبته برهانٍ في حقبةٍ من عمري الطويل، نظرت عن كثب.. كان الناس يرفعون بشراً ذوِي جثث ضخمة، متأنقين و حذقين الى آخر حد، حدثت نفسي:

- من هؤلاء أنهم كثر.. يا إلهي!، ما الذي أراه؟ ما الحكمة من ذلك؟ هل يقدمونهم قرابين إلى "زيوس"؟ منذ متى تقدم قرابين من البشر الى الألهة؟ هل غضبت الآلهة عليهم؟. 

كلها أسئلة شلت تفكيري، وجعلتني أكلم نفسي مرة ثانية:

-  ساعدتهم الألهة.. كيف يستطيعون حمل كرة لحم عظيمة كهذه؟!، إن الحجر أَهْوَن، صحيح أنه اصلب.. لكنه يخضع في النهاية ويصبح طوع الأمر وبلا مقاومة.

 بعد أن أضْنَاهُم التعب وصعدوا بهم الى القمة، تضايقتُ عندما رأيتهم ينافسوني وتصورت إن الألهة أيضا غضبت عليهم بطريقة او بأخرى.. لكني لم اعبأ بشيئ ما دامت قمة جبلي خالية.

في موجةِ غضبٍ عارمة رجع الناس مرة أخرى بعدَ فترة قليلة من الزمن، قذفوا بهم من فوق الجبل بلا رحمة... لم تتح لهم فرصة لسحب الأنفاس والراحة حتى جلبوا غيرهم، نفس الوجوه بملابس مختلفة، تعجبت من فعلهم   وسألت احدهم: 

-كيف توصلون الشخص الى القمة ثم تنزلوه في الوادي؟ هل انتم معاقبون مثلي؟ هذا ليس من الحكمة ولا من الرحمة ايها الشعب.

 قال لي أحدهم بلهجةٍ ولغةٍ لم افهمها:

-وانت شعليك هاي حرية، أسكت لا ابتلي بيك. 

تركتُ صخرتي وراقبت عملهم من بعيد، رأيت احد افراد الشعب يرفع ذلك -الرجل الصخرة- هكذا اسميته ، ويمشي مسافة مترين أو ثلاثة ثم يأتي الثاني ليكمل المهمة وهكذا...ويذهبون الى بيوتهم فرحين غير آبهين بما يجري في البلاد.

 لازلت أرفع صخرتي وهم يرفعون ساستهم أصحاب السلطة الجوفاء، الذين يطمحون ويسعون بإستماتة إلى الكرسي والمنصب السياسي، لكنهم مغلوبون في مسعاهم بصفة دائمة مستمرة، وأن السطوة والسلطة مجرد شيء فارغ خاو في حقيقته، تماما مثل دحرجة الجُلْمود لأعلى التل التي افعلها يومياً.

وصل الإعمار المزيف قريبا مني بلطوا الشوارع وبقيت صخرتي وتلّي عصية عليهم، قال أحدهم: 

-أبقَ وصخرتك في هذه الساحة لتكون شاهدا على نجاحنا، لأنك رمز تاريخي يحتذى به.

اصلحت هندامي حين سمعتُ كلامهم الجميل الذي يخرج أول مرة من افواههم، منذ ان وصلوا منطقتي وأنا لا أسمع سوى السباب وبذيء الكلام.

حدقت به مطولا لكني تذكرت مَنْ مدحني انه-السياسي الصخرة- الذي اوصلوه الى القمة، علمت إن بالأمر حيلة ما وان مدحه لي لم يأتي من فراغ، الى ان سمعته يساوم مقاولا من حاشيته على مشروع قال له: 

- أريد ان تقدم مناقصة لهذه الساحة ونسميها ساحة الصخرة التي تَعبتُ كثيرا في نقلها مع هذا الرجل الأثري، واطلب ان يُكتبْ مبلغ مليون دولار ازاء هذا المشروع. 

لقد باعني وأنا أقف أمامه!، ملأتني الدهشة!، توجهتُ نحو السماء اعتذرتُ من أبو الآلهة "زيوس"، ومن إله الموت، وتوسلت به أن يأخذني فما عدت أريد البقاء، تحملت العقوبة الأبدية لكني لا أتحمل ما يفعله آلهة الخراب في هذا البلد. 


          هيثم العوادي /العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بقلم/ محمد السر شرف الدين

 وشاية نعتني بقصيدة البست كل الحروف أكفان الحداد والنقاط مزّقت ثوب الحبور هل كل ذلك صدى حديث مفترى يرمون بذرة حقدهم مثل الأفاعي بالنعومة وال...