12- للمسابقة الجزء الاول
( خلف اسوار الصمت )
يلتحف سحب الدخان في زاوية من المقهى , اصابعه المتقرنة تلتف على سوط الناركيلة بعشق مجنون , اعتقدت للوهلة الاولى انه اخرس , لازال هذا الانطباع راسخا في بالي , عيناه الذابلتان تطوفان الوجوه بنظرات متفحصة , يبدو ان وجوده لا يعني شيئا لزبائن المقهى ورحيله لا يثير اي اهتمام .
تفاجأت يوما برؤيته , كان على غير تلك الصورة التي رسخت في مخيلتي , تعلو وجهه ملامح الانبساط والبهجة , لسانه يصول ويجول , لقد تحرر من مرابض عقدة مستديمة , جامحا , ثائرا , كلماته لها وقع مؤثر بقلوب مستمعيه رغم انزلاقها على لسان مثقل يلوك الكلمات بصعوبة بالغة , ناقدا بارعا لكل ظواهر الحياة , ابتداء من السياسة الى الفن والأدب وانتهاء بالبطاقة التموينية ورواتب البرلمانيين , أخيرا تحدث عن افتتاح الجسر الجديد في المدينة وحجم الفساد الذي رافق مراحل بناءه , كلماته لاذعة متهكمة وموجعة تثير موجات من الضحك في المقهى , اثار استغرابي , كيف تغيرت صورة هذا النكرة من البؤس والصمت الى هذه الصورة المتمردة , يتحدث عن افكار ويحلل الاحداث بطريقة مثيرة للانتباه يعجز كبار المثقفين التعبير عنها , انه رجل يدرك تماما ما يقول ويعرف عن ماذا يتحدث , بالأمس كان كالحمل الوديع يثير الشفقة واليوم كذئب مفترس يتحاشاه الكثيرون , ينثر انتقاداته واتهاماته بشكل جريء دون خوف او وجل .
همس صديق بأذني قائلا , هكذا هو عندما يرتشف الخمرة , تنفرج همومه وتنفتح قريحته وتحل عقدة لسانه وينسلخ عن جلباب العزلة والانطواء , قلت ارغب بالاقتراب منه ومعرفة ما يجول بأفكاره ونواياه وحدود مداركه , قال لأبأس , دنونا منه بحجة الهروب من كثافة الدخان , جلست بجانبه , ابتسم بوجهي ابتسامة ذابلة ثم انفرجت شفتاه عن صف اسنان عبث بها الدخان ونخرها السوس , كانت مشوهة تماما حتى بدى فمه ككهف خرب , صافحني بحرارة , كانت اصابعه كلوح من الخشب , نفث كتلة من الدخان من منخريه كأنه يحملها كل همومه ثم تبعها بموجة سعال حاد , رحب بي مرة اخرى بحرارة دون ان اعرف السبب .
قال : يبدو انك لا تدخن .
قلت : نعم .
قال : وما الذي حشرك بهذا المكان .
قلت : رغبتي ان اسمع وارى وأتحدث .
قال : لا ترهق نفسك لا احد يسمع كلماتك ولم ترى إلا اشباح .
قلت : ينبغي مشاركة الناس بأفراحهم وأحزانهم , ضحك بصوت مسموع قائلا بعد ان مسح سيول الدمع من تأثير الدخان : اين هو الفرح حتى تهتم بمشاركته , اطمئن وأرح نفسك من هذه المهمة , اما الاحزان فأصبحت تقليداً يومياً اعتادها الناس فلا داعي لمواساتك , اما الحديث , تتحدث عن ماذا ؟ , كل الاحاديث عقيمة ليست ذو قيمة امام جبروت وواقع مؤلم بكل ابعاده , استهلكنا كل الاحاديث ومزقت مسامعنا كثرة الوعود .
ادركت انني بحضرة رجل ليس من البساطة ان اروضه او افهمه .
هناك تكملة في الجزء الثاني
12- للمسابقة
الجزء الثاني
( خلف اسوار الصمت )
قلت : ما هذا التشاؤم في افكارك ,الحياة لازالت مستمرة وفيها من نقاط ضوء مشرقة , لا يجوز ان نركع امام اليأس , لو صدمت من ممارسات بعض البشر هذا لا يعني ان كل الناس سيئون .
قال : انا مللت الاستماع الى الكثير من الالسن التي تتشدق بالكذب وتكرر نفس المصطلحات , هشمتني وعودهم الزائفة وتؤلمني رؤية اصحاب البدلات الانيقة والخطى الواثقة بكروشهم المنتفخة ونظراتهم الودودة وأياديهم ملطخة بوحل المنكرات والمال الحرام , لقد جعلتني الحياة كالنحلة تحوم حول وردة ذابلة متوهمة ان يعود الربيع ويمنحها الحياة من جديد , الحياة لا تتوقف للحالمين اليس كذلك ؟ , قلت له : كلامك بليغ ولكن هو هزيمة منكرة يجب ان تتجلد امام المصاعب عسى ان يفرج الله همك ويكشف غمك , قال :ونعم بالله الكريم ولكن لا يجوز الامتثال لأصنام تستحوذ على ولائنا المطلق وتتحكم بإذلالنا , وتمنحنا اخيرا عبودية مقيتة نورثها لأبنائنا الى الابد , مرت لحظات صمت انحنى خلالها ليلتقط جمرة سقطت من عنق الناركيلة .
قال بصوت مبحوح كحفيف الاغصان اليابسة : اتمنى ان لاتزعجك صراحتي , منذ طفولتي وأنا اعدو خلف وهم اسمه الامل حتى تقاطرت سنوات العمر على ممراتي الخاوية وأصبحت جثة هامدة تنتظر من يواريها الثرى ويترحم عليها بحفنة تراب , ابتسم لي ابتسامة صفراء كابتسامة مقاتل يوهم نفسه بنصر مزعوم , اخيراً قال : لقد استمتعت انت هذا اليوم بحريتي وسمعت صراخ روحي وفلسفة قلبي الحزين وآهاتي الخرساء ولكن غدا تتضجر من عمق صمتي لعدم مقدرتي على شراء قنينة خمر وكذلك صعوبة الحصول عليها في دهاليز المدينة المنكوبة بالكذب والنفاق , لكونه من الممنوعات والمحرمات ثم غمزني بإشارة لم افهم مغزاها ولكنه تدارك حيرتي فهمس بأذني قائلا مدن تدعي الكمال والفضيلة وأزقتها تعج بالخطايا وبؤر المنحرفين , بعد لحظات صمت استأذنني بالرحيل ثم نهض بعد معاناة , لقد بانت رثاثة ملابسه وحذائه الممزق , كان منشغلا بسعال عنيف كاد ان يمزق صدره , رؤيتي لجسده المرتعش وسيول مدامعه اثارت الشفقه في قلبي حتى وجدت في نفسي حزن عميق من اجله , بعد مغادرته جاء الى المقهى رجال الامن يبحثون عنه بحجة احتساء الخمر وهو من الممنوعات بوشاية من صاحب المقهى .
الجزء الثاني
( خلف اسوار الصمت )
قلت : ما هذا التشاؤم في افكارك ,الحياة لازالت مستمرة وفيها من نقاط ضوء مشرقة , لا يجوز ان نركع امام اليأس , لو صدمت من ممارسات بعض البشر هذا لا يعني ان كل الناس سيئون .
قال : انا مللت الاستماع الى الكثير من الالسن التي تتشدق بالكذب وتكرر نفس المصطلحات , هشمتني وعودهم الزائفة وتؤلمني رؤية اصحاب البدلات الانيقة والخطى الواثقة بكروشهم المنتفخة ونظراتهم الودودة وأياديهم ملطخة بوحل المنكرات والمال الحرام , لقد جعلتني الحياة كالنحلة تحوم حول وردة ذابلة متوهمة ان يعود الربيع ويمنحها الحياة من جديد , الحياة لا تتوقف للحالمين اليس كذلك ؟ , قلت له : كلامك بليغ ولكن هو هزيمة منكرة يجب ان تتجلد امام المصاعب عسى ان يفرج الله همك ويكشف غمك , قال :ونعم بالله الكريم ولكن لا يجوز الامتثال لأصنام تستحوذ على ولائنا المطلق وتتحكم بإذلالنا , وتمنحنا اخيرا عبودية مقيتة نورثها لأبنائنا الى الابد , مرت لحظات صمت انحنى خلالها ليلتقط جمرة سقطت من عنق الناركيلة .
قال بصوت مبحوح كحفيف الاغصان اليابسة : اتمنى ان لاتزعجك صراحتي , منذ طفولتي وأنا اعدو خلف وهم اسمه الامل حتى تقاطرت سنوات العمر على ممراتي الخاوية وأصبحت جثة هامدة تنتظر من يواريها الثرى ويترحم عليها بحفنة تراب , ابتسم لي ابتسامة صفراء كابتسامة مقاتل يوهم نفسه بنصر مزعوم , اخيراً قال : لقد استمتعت انت هذا اليوم بحريتي وسمعت صراخ روحي وفلسفة قلبي الحزين وآهاتي الخرساء ولكن غدا تتضجر من عمق صمتي لعدم مقدرتي على شراء قنينة خمر وكذلك صعوبة الحصول عليها في دهاليز المدينة المنكوبة بالكذب والنفاق , لكونه من الممنوعات والمحرمات ثم غمزني بإشارة لم افهم مغزاها ولكنه تدارك حيرتي فهمس بأذني قائلا مدن تدعي الكمال والفضيلة وأزقتها تعج بالخطايا وبؤر المنحرفين , بعد لحظات صمت استأذنني بالرحيل ثم نهض بعد معاناة , لقد بانت رثاثة ملابسه وحذائه الممزق , كان منشغلا بسعال عنيف كاد ان يمزق صدره , رؤيتي لجسده المرتعش وسيول مدامعه اثارت الشفقه في قلبي حتى وجدت في نفسي حزن عميق من اجله , بعد مغادرته جاء الى المقهى رجال الامن يبحثون عنه بحجة احتساء الخمر وهو من الممنوعات بوشاية من صاحب المقهى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق