الثلاثاء، 21 يونيو 2022

بقلم/نظير راجي الحاجي

 (       ناس....  وحراس    )

____________________________

هي قطعة أرض موجودة  في القدس، وهي عبارة عن جزيرة محاطة بالشوارع من جميع الجهات.

بني على هذه الأرض محلات تجارية، من اليمين دكان صغير

يباع فيه زيت الزيتون والمخللات، وبجانبة محل سمانة كبير

بالإضافة إلى محلي خياطة وحلاقة رجال.

صاحب  دكان السمانة أنطوان طنوس، مهاجر في كندا، ويضع وكيلًا له في المحل.

يأتي الرجل سنويا للقدس، فيتفقد بيت أهله، ويزور أقاربه ويصلي في كنيسة القيامة. 

اراد السيد أنطوان ان يقيم مولًا كبيرًا، بدلًا من الدكان، فكان يلزمه أن يشتري المحلات المجاورة له، ولأن ليس معه الوقت

الكافي، فقد أعطى وكيله صلاحية التفاوض مع جيران محله ليشتري محلاتهم، ثم غادر إلى كندا.

في غيابه، عرض وكيله شراء المحلات المجاورة، فوافق الخياط والحلاق، تحت إغراء أسعار لم يحلما بها، لكن أبو خليل، صاحب دكان المخللات، رفض البيع، مما إضطر الوكيل أن يدفع له مبالغ  مضاعفة عما دفعها لجيرانه، لكن الرجل رفض بشدة، قائلًا:_

خروجي من هذا المحل بالذات، يساوي خروجي ميتًا للمقبرة.

كانت آخر محاولات الوكيل، هي تهديدات، بأنه سيبيع الزيت والمخللات بخسارة في المول، حتى تكسد بضاعته، فرد لمن نقل له الخبر:_

إن الرزق على الله.

إستسلم الوكيل وسيده للأمر الواقع، فراحوا  ببناء المول دون ضم محل الرجل.

عند الإنتهاء من بناء المول، حضر أنطوان لافتتاحه.

قبل إفتتاح المول، قرر أنطوان أن يعرض على الرجل المحاولة الأخيرة، فلعل وعسى.

دخل إلى محل  أبو خليل، وهما لا يعرفان بعض، ولم يعرّفه بنفسه، ثم قال :_هل لي بالجلوس؟ تعبت من المشاوير في شوارع القدس، رحب أبو خليل  به كثيرًا، وصنع له فنجان قهوة على نار البريموس.

جلس أنطوان يشرب، وهو يكاد يختنق من رائحة المحل، من الزيت والمخللات.

بعد ان شرب الضيف قهوته، قال لصاحب الدكان:_

هاهو بجانبك مول سيفتح غدا، انت يا مسكين ستكون مثل سمكة سردين،تصارع  حوت كبير، فلماذا لا تبيع محلك للمول! لقد سمعت من الناس، أن وكيل جارك  عرض عليك أموالًا ضخمة، ستكفيك طول عمرك ، ولا تنتهي فلوسك.!

قال ابو خليل:إسمعني جيدًا:_

أنا جدي إسمه سيدي صالح حرازم، هاجر من مدينة تلمسان الجزائرية إلى فلسطين، مثله مثل آخرين قدموا من تونس والمغرب وموريتانيا، جاؤوا للقدس للصلاة والتبرك فيها، وعندما جاء صلاح الدين الأيوبي وحرر القدس، أراد أجدادي مغادرتها، هم وعرب من الشام ومصر والعراق وغيرها، لكن صلاح الدين رفض أن نغادر نحن أهل المغرب الكبير، وتمسك بأجدادي، وحين سئل السلطان عن ذلك، قال:_أسكنتُ هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، هؤلاء خير من يؤتمن على المسجد الأقصى والمدينة.

أنا يا أخي مؤتمن وحارس للقدس، كيف أترك هذه الأمانة!

وكما شبهتني بأنني مثل سمكة صغيرة، هل تستطيع السمكة أن تعيش إذا خرجت من بحرها! 

قف يا رجل، لتشاهد هذا المنظر.

وقف أنطوان، فقال له العجوز:_

ماذا ترى على مد البصر؟

قال:_إنه باب المغاربة، أحد أبواب المسجد الأقصى.

قال العجوز:_ألا يساوي هذا المشهد كل كنوز الأرض!

والله إنني أعتبر هذا المشهد، كأنه نظرة للجنة. 

هز أنطوان رأسه، ولم يتكلم.

جاء يوم الإفتتاح، توقع ألعجوز أن تنخفض مبيعاته كثيرا

بعد الإفتتاح، لكنه ذهل لما شاهد أن بضاعته، ولأول مرةبيعت بالكامل.

مباشرة إتصل بالتاجر المورد، ليزوده بأضعاف الكميات التي يأخذها عادة من الزيت والمخلل. وفي اليوم الثاني أيضًا باع كل بضاعته كاملة. 

قال في نفسه:_فعلًا البركة عند تزاحم الأقدام، رب ضارة نافعة، ممكن ان يكون بعض زبائن المول مروا على محلي شفقة بي، أو هناك سر لا أعرفه.

في اليوم الثالث، وبعد ما باع ما عنده، قرر ان يدخل المول ويتعرف على منتوجاته.

إنبهر بالأضواء، وتنوع البضاعة وكثرتها، وترتيبها.

توجه إلى المكان المخصص لبيع الزيت والمخللات،وهي البضاعة المنافسة له. شاهد ثلاجة ضخمة مكتوبًا عليها من فوق.. قسم المخللات.

نظر إلى داخلها، وإذ رفوفها فارغة، إعتقد أن كل ما فيها قد بيع، لكنه سقط على الأرض وهو يجهش بالبكاء، حين قرأ

لافتة موضوعة على عرض الثلاجة، مكتوبًا عليها:_

(زبائننا الكرام..إن أردتم زيتونًا ومخللًا من أجودالأنواع، فهذا متوفر عند دكان جارنا حارس القدس، ابو خليل المغربي).

____

نظير راجي الحاج



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بقلم/ محمد السر شرف الدين

 وشاية نعتني بقصيدة البست كل الحروف أكفان الحداد والنقاط مزّقت ثوب الحبور هل كل ذلك صدى حديث مفترى يرمون بذرة حقدهم مثل الأفاعي بالنعومة وال...