الأحد، 28 نوفمبر 2021

النص الفائز بالمركز الخامس بقلم سمية جمعة بمسابقة القصة القصيرة


 .. للمسابقة


لقاءفي ذمة الغيب

 

التقيا رغمَ بُعدِ المسافاتِ في هذا العالمِ الواسعِ ، كانتْ تريدُ أن تختصرَ فيهِ كلَّ الرجالِ ، أن تسمعَ منه كلَّ الكلماتِ التي أحبَّتْ يوماً أنْ تسمعَها ، حقَّاً هي كبيرةٌ في السنِّ و لكنَّ ذاكَ القلبَ الطفلَ ما زالَ في طورِ النموِّ ، فبِلِقائها به كانتْ تُملي شروطَها بحُرِّيَّةِ فراشةٍ تريدُ أن تتنقلَ بلا حواجزَ ، أنْ تشمَّ كلَّ زهرةٍ بلا إذنٍ منَ البستنانيِّ . 

قالت لهُ : ما رأيُكَ أنْ نمشيَ في مكانٍ لا بشرَ فيه غيرَ السماءِ و الأرضِ ، أركضُ و تلاحقُني بلهفةِ مُشتاقٍ منذُ زمنٍ يشتهي هذا اللقاءَ ؟ كانَ وجهُها مُضاءً بحمرةٍ لم تعهدها من قبلُ ؛ أهوَ الحبُّ الذي تملَّكها فجأةً دونَ استئذانٍ . 

و أضافتْ : أحبُّ أنْ نذهبَ إلى البحر ، لأغوصَ بقدمَينِ عاريتَينِ ، أبلِّلُهما و أنتشي ، أريدُ أن أصرِّحَ بجمالِ تلكَ اللحظاتِ .

قالَ لها : لنأخذْ صوراً تذكاريَّةً . 

قالتْ لهُ : لا أحبُّ ذاكرتي ، فهيَ تعودُ للذكريات دونَ صُورٍ ، يا لله .. !

أريدُ أن تأخذَني لمطعمٍ ، فتُطعمَني بيدَيكَ . 

قالَ : بأيَّةِ صفةٍ أطعمُكِ ؟ 

قالتْ : أسمِعْني كلماتٍ جميلةً كأيِّ رجلٍ في حضرةِ أنثى ؟ 

ما بكَ .. ؟! 

قلْ لي أحبُّكَ ، و لو كذباً ، كي أشعرَ أنّي عدتُ للدنيا منْ جديدٍ . 

كانَ ينظرُ إليها باستغرابٍ ، فهي ليستْ حبيبتُهُ ، هيَ أنثى أحبَّتْ أن تعيشَ حالةَ التحرُّرِ العاطفيِّ من عِقالِ الصمتِ ، هيَ لا تريدُهُ حبيباً ، بل تريدُهُ رجلاً يُشعِرُها بأنوثتِها ، رجلاً يملأُ قلبَها العَطشانَ للحبِّ بأحاسيسَ قويَّةٍ تُشعِرُها بلذائذِ الحياةِ الأنثويَّةِ التي طالَما حُرِمَتْ منها ، فهي كُتلةٌ مُتوهِّجةٌ منَ الرغباتِ و المشاعرِ الجميلةِ ، و لكنَّها لم تجِد في حياتِها مَنْ يحتضنُ تلكَ الرغباتِ ، و يروي أنوثَتَها بعواطفَ جميلةٍ ، كما ترغبُ هيَ .

كانَتْ على أملٍ بأنْ تُحقِّقَ بعضَ أُمنياتِها في هذا الرجل ، و لكنَّها عاشَتِ الصَّدمةَ ، كَكُلِّ لحظاتِ حياتِها السابقةِ .. كان الوقت يركض بها. تمسك بتلابيبه فيتفلت من بين اصابعها. نظرت إلى وجهه الغامض على ذلك السرير الأبيض في المشفى غائبا عن الوعي. في غيبوبة استطالت لأيام وشهور، تزوره كل يوم، تحكي له عن يومياتها وذكرياتها، مدت يدها إلى حقيبتها البنية المعلقة بطرف الكرسي، واخرجت منه اخر صورة جمعت بينهما قبل الحادثة المريعة بساعات، رقرقت عيناها في صمت، رغم ضجيج أصوات الآلة وطنين الأجهزة الطبية الكهربائية، دنت من اذنه تودعه بعد أن يأس الأطباء من شفاءه وعودته للحياة، لذلك كانت هذه زيارتها الأخيرة له، تودعه،..

مزقت الصورة إلى قصاصات

 

.. 

مزقت الصورة إلى قصاصات، اقتربت من النافذة. لفحت وجهها نسمات باردة، وقبل ان ترمي القصاصات في الهواء، شد الرجل على معصمها وكأنه يقول لها لا لم امت بعد.

جفلت من لمسته الحانية، فتح عينيه على وجهها

 


سُـمَـيَّة جُـمـعــة - سُـــوريـةُ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بقلم/ محمد السر شرف الدين

 وشاية نعتني بقصيدة البست كل الحروف أكفان الحداد والنقاط مزّقت ثوب الحبور هل كل ذلك صدى حديث مفترى يرمون بذرة حقدهم مثل الأفاعي بالنعومة وال...