(لا أحد يعرف)
قصة قصيرة
لم تكن ترى من حولها من الطالبات وهنَّ يتابعن المشهد بنظرات الاستفهام والريبة، أو تسمع ضجيج ما يقارب الألف من الأصوات ذوات التردد العالي، كانت برفقة مدرستهاعبر ممرٍ طويلٍ إلى غرفة معزولة.
ذهنها منشغل ومشوش، يستذكر كل الأعلانات،
مكافأة المتميزات، مصادرة المخالفات، معاقبة المسيئات، وتستذكر كذلك ردود افعالهنَّ وهنَّ يتهامسن" اللهم اطفئ عيني ام جهل وارفع درجاتنا على عجل" ورغم القلق والحيرة المبهمة إلا أنها منحتْ نفسها بعض الثقةِ بسؤالها:
_هل هي مخالفة؟.... ام مكافأة؟
أنا اكتبُ فيه ما شئتُ من حوارات خيالي، من عبارات أو كلمات، أو أغاني، اني شكلتها قلوبا، رسمت قلبي وقلوب الآخرين، كان قلبي يتحدث كأنه بدأ يعرف الكلام لأول مرة.....آه فقط لو تقرؤه مدرسة اللغة العربية التي تتهمني بالغباء !
ربما سيثير الشعر إعجابهن، ويُذكَرُ إسمي في وقفة الخميس، سيكون هذا اليوم هو يوم الاكتشاف العالمي، ومن يدري؟
إني بدأتُ أرى العالم بصورة أخرى، أسافرُ وأنا جالسة في مكاني دون حراكٍ، واسمع ُوأحاورُ بصمتٍ جميل.
أجل.. أنه لم يشكل إساءة لأحد، أو ضرر ما.!
من المؤكد انه ليس مخالفة بل...
أنتبهتْ إلى صوتِ مدرستها وهي تتبادل تحية ودية داخل غرفة صغيرة، أحتل المكتب جزءا كبيرا من مساحتها، وهي متفاخرة بدقة عملها في متابعة المخالفات التي هي غنائم حملتها التفتيشية
المباغتة أثناء إداء الامتحان الشهري لمادتها.
__نعم لقد لفتَ نظرها بشكله ولونه في حقيبتي البالية،
وهو الآن قد توسطَ سطحَ المكتب ليتمَ تشريحهُ، وتحديدَ جنسهُ وهويتهُ بالتحليل والتفسير والتأويل، وربما اغتياله!.....
_ انتظري خارج الغرفة واغلقي الباب. هكذا خاطبتها المعاونة وهي تضغط على زر الجرس بيدها،والاخرى تمسك بقطعة من الخبز الملفوف بشيء ما لتقضمه.!
أسندت ْ جسدها النحيل الذي لم يتجاوز السادسة عشر على الحائط القريب من باب الغرفة في مكان عرضه ما يقارب
المتر ونصف المتر، بينما بدأت الظنون تكشفُ عن أبواقها، والخوف يطلُ برأسه من فرشتهِ بين لحظة وأخرى.
بدأت عيناها الجميلتان الواسعتان ذات الاهداب الطويلة تلمع بشيء من الدمع، ينتظر إشارة البدء بالانسحاب أو الهطول، بينما وجهها الناعم البض مسحتهُ صبغة وردية قريبة للاحمرار، أشار إليها شال ابيض رقيق أحاط وجهها، لكنه كان مرتخيا، يكشف عن خصلات من شعر أشقر سرحتْ على جبهتها كأنها تسترق الرؤية لتخبر ما تبقى محجوزا بحقيقة ما يجري، أما كفاها الصغيرتان فكانتا تعصر إحداهما الأخرى،لتعيد اليهما بعض من الدفء.
بدأ الضجيج بالخفوت تدريجيا، وتعالت أصوات بعض المدرسات القريبات من القاطع،
وهي لا تعرف ماذا يدور داخل المكان المغلق، أخذت الأفكار تتقافز في ذهنها، تقلب أمرها المعلق....
_ربما انشغلا بعمل ما، أو حديث آخر، هكذا طمأنت نفسها ومسحتْ وجهها من تعرق بطرف أناملها.
خيل لها أنها سمعتْ صوتا يناديها ..
فتحت الباب بعد طرقه.... ثم دخلتْ موجهة كل حواسها إلى وجوههن، لكنها أصطدمتْ بعينين ساخطتين
وصوتٍ عال ٍ مع ملامح ٍ غاضبة ، وهي تحكم غطاء رأسها بحجابٍ اسود طويل، بعدها تناولت نظارة زجاجها اشبه بكعوب الفناجين.
__ هل هذا لك؟
سألتها المعاونة.
اكتفتْ بهز رأسها بالأيجاب،
_ ولمن هذه الكتابات؟
_أنا كتبتها لنفسي، وليس لأحد، أنها من خيالي يا ست!
_,هذه وقاحة.... وماذا لو اخبرتُ أهلك بهذا؟
قالتْ هذا وواصلتْ أعمالها، لكن الفتاة ردت بصوت ناعم
_ أن اهلي يعرفون اني أكتب شعرا، ولكنهم لا يقرؤون أو يكتبون، خذي الدفتر دون هذا، أنا لا أريد أن أترك مدرستي !
أرجوكِ..قالتها بتوسل مع نظرة مكسورة وهي تتطلع الى قرص الساعة
المعلقة !
بينما راحت السيدة بدفع ورقة التعهد إليها،
مشيرة إلى مكان الأسم
والأمضاء، مؤكدة أن العقاب سيكون أعنف عند اي مخالفة أخرى.
لم تقرأ ما كُتِبَ على تلك الورقة، وبقلم مرتجف تكورت الحروف،
وختم أبهامها الصغير
مرعوبا من عصرة يد غليظة ألمت به.
قبل انتهاء الدوام، ومن خلال الزجاج المجاور لمقعدها كانت تراقب النار التي ابتلعت
دفترها مع مجموعة من الاكسوارات البسيطة، تتصدرها حزمة الاوراق الامتحانية لذلك اليوم والتي لم تصحح!
هناء العامري
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق