الأحد، 13 نوفمبر 2022

بقلم/سمية جمعة

 في مشهد سريالي بديع، تلتحف البوادي بالضباب، والغمام الأبيض يغطي كبد السماء.

تلك الصحاري الشاسعة لم تكن بحاجة لذاك الضباب الهش، بقدر احتياجها لأمطار، بل سيول، لتروي عطشها الممتد لسنوات عجاف.


- ما نفع الحلم وهو مسجون في ردهات زمن أغبر.

مجرد هلوسات راودتني، فبعثتها صدى مع بريد الريح، وهي في طريقها نحو المشرق حيث الأهل والخلان.


يذهب أيلول والمسافة بيني وبين قرص الشمس لا تتعدى احتضان وردة لنحلة متعبة.


 في أجواء رمادية كهذه ،في جو مليء بتقاسيم الحياة الشقية، كنت أتقلب، لتتعود رئتي على هواء قد أثقلته ذرات التراب،

وأنا الحالم بنسيمات عليلة، تعطي المساء روعته وسحره وسكينته.

 

أعد أيامي و أنا حينها لازلت طفلا ينمو ويكبر بين السنابل والحنطة،

وتدمر على مرمى النظر.


كبرت كمتمرد مدلل، و تسامق طولي حتى بلغ خابية مرمية عند صحن الدار.


عنيد، هذا ما تؤكده أمي كلما بكيت لأحصل على ما أريد.

صباحا أهرب مع جدي المستيقظ باكرا إلى البستان، ألملم خلفه الأشواك المتناثرة هنا و هناك.

عند المساء أعود محتميا وراء جدتي العجوز التي راهنت على فطنتي مع نساء الحارة. 


أمي تصرخ حاملة بحة حنينها و عذوبة اشتياق لجلسة ود ،تحتضني مخافة الابتعاد. 


ينبلج الأب كصبح من باب البيت ،أركض نحوه

والجدة المتجذرة تحت دالية البيت لم تكمل حكاية الغول، بينما أبي يعجن تعبه المر بابتسامة ،


 أبي الحائر في رسم مستقبلي على رمال تلك الصحراء، ينام على حلم خروجي إلى المدرسة كل صباح،

بلباس أنيق، دون رتق لشقوق السترة والسروال. 


 تسمع أمي تنهيداته، فتشفق على قلبه من الانفطار، توقظه كي تحكي له حكاية الجرح الذي رتقته الأيام بإبرة الصبر.

 و تطمئنه على البيت الذي امتلأ مؤونة بعدد خصلات الأمل.

 يبتسم في وجهها رغم المرارة، و يغط في نوم عميق.


 و بدون سابق إنذار، يموت الأب كحصان عربي أصيل، يعز عليه الهوان بلا حول له ولاقوة ،


 لأول مرة أسمع صوت النواح، و أرى النساء متشحات بالسواد،

الذهول لعنة سرمدية تسيطر علي، جعلتني نشيدا حزينا في أعين النسوة.


باتت روحي صحراء ،وأفكاري عنقاء تخفي ثورة غضبها تحت الرماد.

حزن دامس هو صمتي ، كورقة خريفية رمتها الريح على خد الأرض،

 تسري بي الروح وأكتشف بأني أمتلك من الهلوسة و الهذيان ما يجعلني قادرا على سرد الحكايات و أنا فيها البطل.


ما علي سوى الرحيل نحو أنفاس أمي المقدسة،ولا أنسى قليلا من عتابات الجدة ،

و تلك الصحراء التي تعبث بحياتي من جديد.


 أشعل الذاكرة برماد ماض هو الأروع رغم كل  الجراح.

و أجمع الحصى والرمال من باديتنا المتكئة على كتف الصحراء، 

كي أبني عليها أضغاث أحلام .


يخزني العوسج،فأحتطب بالقيصوم و الزعتر.


كم أود أن أقول الآن وقد بلغت الأربعين:

- شكرا يا طعنات القحط، فقد كانت ضرباتك موجعة.

بسببها فقط، جمعت نسغ الدوالي التي تعربشت فيها على حاضري وآمالي، 

ولملمت أريج وعطر الزيزفون، ونشرت الرطوبة والحياة في دمي.

سمية جمعة سورية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بقلم/ محمد السر شرف الدين

 وشاية نعتني بقصيدة البست كل الحروف أكفان الحداد والنقاط مزّقت ثوب الحبور هل كل ذلك صدى حديث مفترى يرمون بذرة حقدهم مثل الأفاعي بالنعومة وال...