الخميس، 23 يونيو 2022

بقلم/ ماهر اللطيف

 ضريبة الحب

سمعت قرعا قويا على باب منزلي يزداد بطشا وجبروتا بتزايد الضربات وتتاليها، مما جعلني استفيق مذعورا ومصدوما وقد تضاعفت دقات قلبي وكاد جسدي يشل وينحل من الذعر والخوف وأنا أقول واكرر "اللهم اجعله خيرا وبردا وسلاما ولا تحرمني من أي شخص أعرفه وإن كان عدوي لحين (فقد كنت اقطن وحيدا في هذا المنزل بعيدا عن أهلي الذي بقوا في المنزل العائلي في أول الحي قرابة الكيلومترا عن مقري الحالي، وهو اختيار ارتأيته منذ مدة لأجد حريتي وطلاقتي في حياتي بعيدا عنهم وعن قوانينهم التي باتت لا تلزمني في هذا السن والوضعية وانا اعزب وموظف عمومي أميل للانطلاق والاندفاع واكتشاف الحياة بكل تلقائية وطلاقة) "...

فقلت وأنا استر جسدي العاري بما أجده في طريقي إلى الباب "من الطارق؟"، فلم يجبني أحد مما زاد من هلعي وخوفي، فكررت والححت في طلب معرفة هوية من يقف خلف الباب دون الحصول على جواب قد يرجع فيا بعضا من الراحة والطمأنينة على الأقل، لكن دون جدوى...

فاسرعت الخطى وانا أكاد يغمى عليا من التردد والتوجس وخشية نبأ الطارق، فقبضت على قبضة الباب بعد أن قلت "بسم الله الرحمان الرحيم" وفتحته مرة واحدة لأتسمر في مكاني دون حراك وكأنني مومياء فرعونية او نصب تذكاري محنط، مدهوشا ومصدوما لا أصدق عيناي ولا أعلم ان كان هذا حقيقة أم خيال،فنظرت إلى الساعة لأعلم أننا وقت الفجر، ثم نظرت إلى الزائر وانا أكاد لا أصدق ولساني يتمتم مرتبكا ومضطربا" بسم الله الرحمان الرحيم، بسم الله الرحمان الرحيم، بسم الله الرحمان الرحيم"، فإذا بصوت يقهقه عاليا ويقول :

- هل ستتركني طويلا هنا؟ الا ترحب بقدومي؟

- (غير واع ولا مصدق لما يدور وبنبرة أقرب للوشوشة من الجهر بالكلام) على الرحب والسعة (وتقهقرت خطوة لاترك لها المجال واشير لها بيدي) تفضلي

- (محملقة في كل ما يقع عليه نظرها وهي تمرق إلى الداخل وتتمايل ذات الشمال و اليمين) مكان مقبول نوعا ما يا صالح رغم الروائح الكريهة المنبعثة منه (ثم تقهقه عاليا حتى خفت ان توقظ الجيران وتتسبب لي بالتالي في مشاكل معهم انا في غنى عنها)، لكن لابأس فهي ساترة لظلام الليل

_ (مقاطعا ولم أفقه قولها) ما الذي أتى بك إلى هنا يا هاجر في هذه الساعة المتأخرة، وما بك تترنحين وتتمايلين،هل سكرت؟ كيف خرجت من منزلكم ووالدك المعروف بالتقوى والورع والتعصب والقسوة والغيرة عليك وعلى بقية اخوتك؟ و...

- (واضعة يدها على فمي وتمنعني من مواصلة كلامي) لا تكثر من الثرثرة والهذيان واهدار الوقت (مشيرة الي بيدها) تعال اقترب واجلس بجانبي على هذا الفراش، أ لم تتقدم يوما لخطبتي ورفضك والدي فقلت له بكل ثقة في النفس أنك تحبني حبا جنونيا ولن تسمح لغيرك بأن يقترن بحبك ويقترب منها وما إليه من كلام؟ أ لم تتعرض للضرب والسب والشتم مرارا وتكرارا من طرف أبي واخوتي الذكور ولم تستسلم أو تخضع للأمر الواقع حتى عند علمك بقرب موعد زواجي من غيرك؟ (ثم تصمت فجأة وتدخل في حالة هيستيرية من الضحك والغناء والهذيان لفترة من الزمن)

فرجعت بي الذاكرة حينها إلى يوم خطبتها من "وليد" إبن "سي عبد المنعم" الثري المستبد الذي يحكم باحكامه في حينا الشعبي المنزوي في هذه المدينة الكبرى، هذا الفتى المعروف بدلاله المفرط وميوعته غير المقبولة وادمانه على المسكرات والمخدرات والاقراص المخدرة وغيرها، مراهق غير مسؤول ولا مدرك للحياة واسرارها وقيمها وقوانينها... ،إنسان أقرب منه للحيوان من الإنسانية وما تحمله هذه الصفة من قيم وخلق واخلاق...

المهم ، يومها قدم مع أهله في موكب فخم وكبير من السيارات الفارهة وقاموا باستعراض هذت لقوته وجبروته المدينة جمعاء فترة من الزمن،فخطب هاجر واغدق على اهلها بالهدايا والعطايا والوعود، قبل أن يقطن في منزلهم أو يكاد من وقتها ولم يعقد قرانه عليها بعد، مما جعل والدها يعارض هذه الوضعية ويتصدى لها بكل ما أوتي من قوة ولا يسمح لها بالاستمرار خاصة بعد أن وافقته في ذلك هاجر التي لم تكن تحبه لولا وضعيته الاقتصادية والمالية وحتى الاجتماعية التي كانت ستؤمن لها ما تفتقده في الوضع الحالي.

ومن ذلك الوقت بدأت المشاكل بين العائلتين غير المتكافئتين على جميع الأصعدة مما أتعب عائلة هاجر وزاد من جراحها والالامها جراء فقرها وفاقتها الازلية،فكان وليد يتوعد ويهدد علنا العائلة حيثما كان ومع اي شخص كان بسبب وبدونه، وقد طالني هذا التهديد بعد أن علم بحبي لها واستعدادي للدفاع عنها وإن كانت روحي ثمنا لها...

ومازلت كذلك حتى شعرت بيدها تداعب يدي وهي تقول بلين وصوت شجي تخر لوقعه وحنانه وعذوبته الأجساد والقلوب مهما كانت قوتها:

- أ مازلت تحبني؟

- (مومئا برأسي ) بكل تأكيد احبك واهيم بحبك إلى درجة الجنون

- (ضاحكة عاليا) هذه فرصتك أيها الحبيب، نل مني، افعل ما تريد بي ولن أقاوم او اعارض...

- (وقد استقمت وافقا بسرعة وانا اجبرها على الصمت) لا تزيدي كلمة واحدة يا هاجر، هيا بنا لاوصلك إلى منزلك (محاولا مسكها لاعانتها على النهوض وهي تتهرب وترفض ذلك) هيا انهضي

وكنت أحاول معها لصدها عن مشروعها وثنيها عن مخططها حين ضرب باب منزلي بقوة متناهية إلى أن كسر بعد أن خلع ليظهر وليد ومعه ثلة من أصدقاء السوء وهو هائج وثائر وصائح بأعلى صوته إلى أن استفاق الجيران وهرعوا نحونا حفاة وعراة وهم يذكرون الله ويستغفرونه ويلعننوني ويصفونني بابشع الصفات والنعوت:

-اشهدوا يا جماعة واثبتوا حالة قبضنا عليهما في حالة تلبس وزنا

- (صائحا في وجهه بكل ما أوتيت من قوة واصدقاؤه يمزقون ثياب هاجر عنوة ولم يحضر بعد أحد من الغرباء ويعبثون بشعرها وماكياجها الذي تلاشى بطبعه قبل أن يتمموا المهمة) أية حالة واي تلبس وزنا أيها المعتوه؟ (وبدأ الزوار في التوافد على المكان)

_ (مقاطعا وهو يحاول ايهام الناس بوصوله إلى المكان بعد علمه بهذا الموعد والخيانة وجبره لهما علي التوقف وعدم مواصلة هذه الفعلة بعد أن حاولت انا اغتصاب خطيبته إثر تحويلي لوجهتها والتغرير بها) الحمد لله أننا وصلنا في الوقت المناسب واستنجدنا بالشرطة التي ستحضر في أقرب وقت (وهاجر لاتزال في حالة هستيريا وخوف ورعب وهذيان بعد أن شاهدت اقتحام وليد للمكان وتهديده اياها بالقتل جراء الخيانة)...

وما إن وصل اعوان الشرطة واستمعوا لوليد والشهود وعاينوا المكان والحيثيات وحالة هاجر حتى اقتادوني إلى مركز الشرطة مكبلا في الاغلال تحت وابل السب والشتم من افواه الحضور وتوعد وليد وعصابته بالقصاص مني، كما حملوا هاجر إلى المستشفى لاسعافها وعرضها على أطباء الاختصاص لتحديد الأضرار التي تعرضت لها جراء هذه الحادثة.

فخضعت لزمرة من التحقيقات والاستجوابات، كما تعرضت للضرب والإهانة والسب والشتم والتعذيب  إلى أن كدت  اعترف بما نسب الي وحتى ما لم ينسب عساني استريح من هذا العذاب وهذا الوضع الذي لا يتحمله حتى الحيوان، خاصة بعد جبر هاجر وعائلتها على اتهامي لمحاولة اغتصابها بعد التغرير بها وغصبها على تناول مواد مخدرة وتحويل وجهتها عمدا للنيل منها ومن شرفها انتقاما من رفض عائلتها لخطبتي لها ونكالا بوليد الذي رفض تشغيلي باحد مصانع والده ذات مرة قبل ان احصل على وظيفة في القطاع العمومي فيما بعد.

لكن الحق يعلو ولا يعلى عليه بكل تأكيد ،فقد اثبت تقرير الطب الشرعي سلامة هاجر من كل اعتداء جنسي ومحافظتها على عذارتها وسلامتها من كل عنف جسدي مهما كان نوعه، كما شهد احدهم وكان مارا للمسجد حينها أنه رأى هاجر وهي تطرق باب منزلي وتلح في ذلك قبل ان افتح لها وابقى في مدخل المنزل ولم اسمح لها بالدخول من اول وهلة.

كما اعترفت هاجر بعد وابل من الأسئلة واستعراض تناقض اجوبتها مرارا وتكرارا بكل التفاصيل حيث اقرت بتناولها لمواد مخدرة تحصلت عليها من خطيبها وليد في سهرة خاصة ككل مرة مع مجموعة من الأصدقاء والصديقات، قبل أن تطلب منه معاشرتها معاشرة الأزواج( تحت تأثير هذا المخدر الذي نال منها وافقدها توازنها وعقلها) لأول مرة منذ أن عرفته ، لكنه رفض بدعوى عدم مقدرته على ذلك في الوقت الراهن، مما جعلها تفكر في غيره لاشباع غرائزها الحيوانية التي التهبت حينها فلم تجد من شخص غيري انا صالح وكان المصاب الجلل.

في حين خر وليد واعترف بكل الوقائع والدلائل التي تدينه وتبرئني، كما اعترف بكرهه لي ورغبته في ازاحتي عن طريقه بكل الطرق والسبل وإن كانت كيدية او مفتعلة...

وبعد إتمام الإجراءات كنت حرا طليقا استنشق الهواء الطلق وانعم بحريتي التي افسدها الجيران إذ عاملوني بقسوة وضيم وضايقوني وأشعروني بالذنب والخروج عن العادات والتقاليد والخلق والاخلاق وكاني فعلا قمت بذلك العمل الشنيع، مما اضطرني إلى البحث عن مسكن آخر في أقرب وقت ممكن بعيدا عن حيي الذي ولدت وترعرعت فيه ونشات، وبقيت وفيا لحبي وحلم حياتي هاجر إلى أن تجاوزني قطار العمر ولم اتجوز إلى حد اليوم وقد تجاوزت عقدي السادس، فيما انقطعت اخبار حبيبتي عني منذ مدة ولم أعلم عنها شيئا إلى اليوم.

-----------------------------------------------------------------------------بقلم:ماهر اللطيف (تونس 🇹🇳)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بقلم/ محمد السر شرف الدين

 وشاية نعتني بقصيدة البست كل الحروف أكفان الحداد والنقاط مزّقت ثوب الحبور هل كل ذلك صدى حديث مفترى يرمون بذرة حقدهم مثل الأفاعي بالنعومة وال...