قصة قصيرة
تردد خرجت مسرعة وهي تبتسم بسخرية وكأنها تتساءل، كيف لإنسان أن يتحمل كل هذا الثقل وهو يظن أنه يقوم بواجبه تجاه أناس أثبتت الأيام بأنهم لا يستحقون؟ وهي في الطريق استعادت شريط الذكريات منذ ولوجها مجال التدريس، حيث التحقت بإحدى مؤسسات التعليم الخصوصي بعد تخرجها مباشرة. كانت سعادتها لا توصف وهي تقف أمام تلامذتها وكلها حماس كي تحلق وإياهم في سماء العلم بكل ما أوتيت من أفكار. أول حصة كانت للتعارف طبعاً والتعرف على تلامذة الفصل كل على حدة حتى تتقرب منهم وتساعدهم على الاندماج في المجتمع، خصوصاً وأن الدراسة بالتعليم الخصوصي ليست في متناول كل فئات الشعب، بل يحظى بها من ذويهم لديهم القدرة على ذلك، وبالتالي هم يعيشون في أبراجهم بعيدا عن هموم من ظلمتهم الظروف. سألتهم عن طموحاتهم وعن أحلامهم كذلك، الكل كان متحمسا إلا ثلاثة كانوا يجلسون في الخلف وكأن ما يحدث لا يعنيهم، تقربت منهم وابتسامتها أعرض من باب الفصل، لم تسألهم عن السبب، بل جلست بالقرب منهم وكأنها زميلة لهم، حدثتهم عن مسارها وكيف ناضلت من أجل الوصول إلى هذا المكان وهي سليلة عائلة فقيرة، أسرت لهم كم مرة حاولت التوقف والسير في طريق المال السهل، لكن طموحها وأحلامها كانت تقف حجرة عثرة أمام سلوك طريق غير طريق التحصيل مهما كلفها الأمر. ضحكوا بل قهقهوا وأخبروها بأنهم ليسوا مثلها وليسوا بحاجة إلى التعب وهم لديهم كل شيء، مصرين على أن تحتفظ بنصائحها وكل حكاياتها التي تليق بقصص الأطفال أكثر مما تفيد أشخاصا مثلهم، بل هددوها إن هي أصرت على تقربها منهم أو حاولت إدماجهم مع باقي زملائهم.
انسحبت في صمت وأكملت التواصل مع باقي التلاميذ. استمر الوضع على ما هو عليه وهي تعيش في حيرة هل تسكت ؟ هل تتجاهل وجودهم؟ وماذا عن الامتحانات ؟ وهل أولياء أمورهم يعلمون ؟ ترددت كثيراً قبل أن تخبر الإدارة بما يحدث ملحة عليها بضرورة إخبار أولياء الأمور. حكت لمدير المؤسسة لتخفف عنها الحمل الثقيل الذي أرقها منذ مدة ليست بالهينة..
كم كانت صدمتها قوية عندما أخبرها السيد المدير بأنه لا جدوى مما تفكر فيه، ثم أضاف بكل صرامة: اتركيهم لحالهم فالكل يعلم ويتغاضى عنهم بما في ذلك عائلاتهم.
اموينة الأشعاري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق